--------------------------------------------------------------------------------
شكرا" عمنا العزيز أبو فرات لهذا الموضوع القيم
هنا في محافظتنا مدرسة على أسمه وزوجتي تُدرّس فيها
وهنا بعض المعلومات الأضافية لهذا العلامة القدير
ولد الأب انستاس ماري الكرملي في 5/ آب/ 1866 ببغداد ، لأب لبناني وهو ميخائيل عواد وأم بغدادية وهي مريم أوغسطين وسمي ( بطرس )
نشأته ودراسته :
ساهمت في تنشئته ورعاية مواهبه ثلاثة أقطار ، هي العراق مسقط رأسه ، ولبنان موطن أبيه ، واوربا حيث تلقى علومه اللاهوتية في معاهدها .
لقد أمضى الأب انستاس طفولته ببغداد ، ثم ما لبث إن أدخله ذووه ( مدرسة الآباء الكرمليين ) فيها ، حيث تلقى دراسته الأبتدائية ومن ثم التحق ،
بعد اجتيازه مرحلة الدراسة الأبتدائية ، بمدرسة الاتفاق الكاثوليكي ببغداد فتخرج منها عام 1882 ، ومنذ كان طالبا كانت بوادر النبوغ والذكاء والألمعية
تلوح على مخايله ، وتظهر عليه آثار الفطنة ، كان فذا بين أقرانه مما جعله موضع احترام وثقة معلميه واهتمامهم.
عهدت اليه ادارة مدرسة الآباء الكرمليين ، مهمة تدريس اللغة العربية التي برع فيها ونبغ نبوغا استحق عليه الاعجاب وحاز التقدير ،
وهو لما يبلغ السادسة عشرة من عمره ، ثم تولى التدريس في مدرسة الراهبات ، ولما ذاع صيته وتجلت قابلياته ، طلب اليه بعض أفراد الجالية الفرنسية ببغداد ،
أن يلقنهم دروسا في اللغة العربية ، وقد أثبت جدارة ومقدرة في كل عمل تولاه فنال الرضى والاستحسان من لدن الجميع .وما إن حلت سنة 1886 ،
إلا وحزم أمره فسافر إلى لبنان وكان عمره يومذاك عشرين سنة ، فدخل المدرسة الاكليركية ببيروت وكانت بإدارة الآباء اليسوعيين ،
وانكب على دراسة اللغتين اللاتينية واليونانية سنة واحدة تسنى له خلالها الإطلاع على الكثير من مظاهر الحركة الأدبية والنشاط الثقافي والعلمي بلبنان .
كما اتصل بعدد من رجال الأدب والثقافة وقرأ لهم من أمثال ابراهيم وناصيف اليازجيين واحمد فارس الشدياق واديب اسحاق وغيرهم من أركان النهضة
العلمية والثقافية يومذاك ، فاستقى ما شاء له من منابع المعارف والعلوم ، ولما وجد في نفسه ميلا إلى الاستزادة من المعرفة ،
تاقت نفسه إلى السفر إلى بلجيكا فغادر بيروت عام 1887 ، حيث ادخل في دير الآباء الكرمليين في دير
( شيفر يمون الواقع على مقربة من مدينة لييج من كبريات المدن البلجيكية ، وفي هذا الدير أمضى سنتين في دراسة متواصلة ،
لم يلبث - بحكم أنظمة الدراسات الدينية يومئذ - إن انتقل إلى دير آخر من أديرة الأباء الكرمليين في مونبليه بفرنسا ،
حيث أمضى ست سنوات في دراسة العلوم الفلسفية واللاهوتية وأصول اللغة .وفي عام 1894 رسم قسيسا ( كاهنا )
بأسم " انستاس ماري الكرملي " فغادر فرنسا عائدا إلى أرض الوطن وفي طريقه تاقت نفسه إلى زيارة الأندلس ، أو الفردوس المفقود ،
لتفقد مواطن الآثار ومعالم الحضارة العربية التي خلفها أجداده العرب في هذه الديار . وفي هذه السنة نفسها عاد إلى بغداد ، فتولى بعد وصوله ،
إدارة المدرسة الكرملية ببغداد إضافة إلى إضطلاعه بتدريس اللغتين العربية والفرنسية فيها مدة أربع سنوات ،
ولما وجد إن الإنهماك في التدريس يستغرق الجزء الأكبر من وقته ويصرفه عن البحث والإستقصاء ، ترك التدريس وعكف على البحث والتأليف.
طبائعه : نشأ هذا الانسان نشأة ناسك متعبد ، زاهد ، لا يملك من متاع الدنيا شيئا ً ، لا أسرة له ولا اولاد بل اولاده في الروح كتبه وغزارة إنتاجه
كان ضخم الجثة ، قوي البنية ، جبلي القوام ، أطلق للحيته العنان فجاءت كثة ، طويلة ، ومهيبة ، له صوت كأنه الزئير ، وضحكاته كانت تشق انحاء الدير،
وغضبه في ذات الوقت وانفعاله في ما يراه انحرافا ً ، يصل حد استعماله عصاه
اما من ناحية التدبير والمال فقد كان مقتصدا ً ، يحسب لكل شيء حسابه ، وربما لهذا السبب نعته البعض بالبخل ، لكنه بتلك العقلية الحسابية ،
استطاع ان يشتري آلاف الكتب ويقوم بعدة رحلات الى سوريا ، مصر ، لبنان ، فلسطين ، وأوربــا ، من اجل أبحاثه ،
وكم كان يرنوا لإستقباله علماء وفلاسفة عصره من المصريين والسوريين واللبنانيين والفلسطينيين أمثال :
أحمد باشا تيمور ، يوسف أفندي سركيس ، قدري طوقان وغيرهم
مجلسه الاسبوعي : ذاع صيت مجلسه الاسبوعي ( مجلس الجمعة ) في أنحاء المعمورة واصبح قبلة اصحاب المكانة المتميزة في
الأدب ، واللغة ، والفلسفة ، وكم قصده زائرون للعراق من العلماء المستشرقين والباحثين ذوي الباع الطويل في علم اللغات والتاريخ
كان هناك شرطان وضعهما العلامة أمام رواد مجلسه ، وهما تحريم النقاشات السياسية والدينية ، وقد كانت فكرته تلك ذكية جدا ً ،
لتجنب الاحتكاكات والإشكالات التي تحصل من الخوض في الموضوعين اعلاه . اما الانصراف الى الأدب وأبحاث اللغة فهي بحد ذاتها مكملة وموحدة ،
ومن النادر حدوث انقسامات وانشقاقات فيها
من جملة حضور مجلسه الاسبوعي ، أسماء أدبية لامعة ، امثال : يوسف غنيمة ، حامد الصراف ، رزوق عيسى ، كاظم الدجيلي ، عبد الرزاق الحسني ،
هاشم الوتري ، مصطفى جواد ، مهدي مقلد ، محمد رضا الشبيبي ، روفائيل بابو إسحق ، روفائيل بطـّي ، الملا عبود الكرخي ، عباس العزاوي … وغيرهم كثير
كان مجلس الجمعة يبدأ في الثامنة صباحا ً ، وينتهي في الثانية عشرة ، عندما تشق أركان الدير، دقات ناقوس الكنيسة ، مؤذنة حلول فترة الظهيرة .
عندما ينفرط عقد الزائرين ليلتحم مرة اخرى في الجمعة التي تليها ، ولعشرات السنين
كان الجو الهادئ والمنظم الذي يوفره الأب العلامة بمثابة حافز ودافع ، للمزيد من النقاش الهادف ، والبحث المتواصل ، في شتى المواضيع المطروحة .
وغالبا ً ما كان انستاس يستعين بمصادره من الكتب ، التي تعد بالآلاف في خزانته والتي عني بجمعها وترتيبها ووضع الهوامش والخطوط والملاحظات عليها ،
في إقناع الحاضرين برأي معين . كما كان يوفر طاولة وعليها الكتب والمجلات والجرائد المحلية والعربية والأجنبية الصادرة حديثا ً في مختلف اللغات ،
ليطلع عليها مجلسه الموقر الذي كان بمثابة مجمع علمي عراقي مصغر
* اللغات التي يحسنها :
أضافة إلى لغته العربية التي أحبها واشتهر بعلومها ومفرداتها ، فقد إتقن الأب عددا من اللغات العالمية الحية ، الشرقية منها والغربية ، قديمها وحديثها ،
فمن اللغات التي كان يحسنها ، الفرنسية والأنكليزية والايطالية واليونانية واللاتينية والأسبانية .ومن اللغات الشرقية ، التركية والفارسية والحبشية ،
كما اتقن عددا من اللغات السامية كالسريانية والكلدانية والعبرية والمندائية ( الصابئية ) ، كما تعلم الأرمنية في منفاه في الأناضول في سنة ونصف .
* نشاطه في المحافل العلمية :
حظى الأب انستاس بمنزلة كبرى ومكانة رفيعة بين علماء عصره غربيين وشرقيين على حد سواء ،
فعرف بدقة البحث والدراسة العميقة وطول الأناة في التأليف مما كان ينشره في المجلات العربية ، ونظيراتها في اوربا ،
فطارت شهرته في الأوساط العلمية في المشرق والمغرب ، فأخذت الجمعيات والمحافل العلمية تتسابق على الظفر بعضويته .
1 - ففي عام 1911 تم انتخابه عضوا في مجمع المشرقيات الألماني .
2 - ولما تأسس المجمع العلمي العربي بدمشق أنتخب عضوا مراسلا عام 1920 وظل فيه حتى وفاته ، فنشر العديد من البحوث والمقالات في مجلة المجمع المذكور ،
وبعد تأسيس مجمع اللغة العربية (مجمع فؤاد الأول سابقا) عام 1932 كان من بين أعضائه البارزين.
3 - أنتخبته وزارة المعارف ( التربية اليوم ) عضوا في لجنة التأليف والترجمة من سنة 1945 إلى سنة 1947 .
4 - اختاره المجمع العلمي العراقي (المحفي العراقي كما كان يحلو له أن يسميه) عضوا.
5 - أختاره ( المجمع العلمي ) السويسري في جنيف عضوا فيه .
6 - اختير من بين منظمي ( المعرض الفاتيكاني ) في روما سنة 1934 .
* مؤلفاته :
1 - الفوز بالمراد في تاريخ بغداد ، (طبع ببغداد عام 1911 ) ، ويتناول تاريخ بغداد منذ سقوطها بيد هولاكو حتى عام 1495 م .
2 - النقود وعلم النميات ( طبع في القاهرة 1939 ) ويبحث في تاريخ النقود عند العرب.
3 - أرض ما بين النهرين ، وقد نقله من الأنكليزية لمؤلفه بيفن ، وبعد وفاة الأب نشره سنة 1961 صديقنا الأستاذ حكمت توماشي الموظف في مكتبة المتحف العراقي .
4 - خلاصة تاريخ بغداد (طبع بالبصرة عام 1919 ) .
أما كتبه التاريخية والبلدانية التي لا زالت مخطوطة ، فأهمها :
1 - متفرقات تاريخية .
2 - اللمع التاريخية والعلمية بمجلدين وقد جمعها ما بين 1895 - 1907 .
3 - حشو اللوزينج وهو بحوث وتعليقات تاريخية .
4 - الأنباء التاريخية .
5 - مختصر تاريخ العراق .
وما نشره الأب في المجلات والصحف عن المدن العراقية وتواريخها وخططها ، يؤلف في الحقيقة مكتبة بلدانية من الطراز الأول ، فلم يترك شاردة ولا واردة تتعلق بمدينة من المدن قديمها وحديثها إلا وسجلها ، ومن أهم منجزاته ( المعجم المساعد ) وكذلك اصداره مجلة (لغة العرب) .
* وفاته :
بعد عودته إلى بغداد اشتد عليه المرض ، فتردت صحته وانحطت قواه ، نقل على أثرها إلى المستشفى التعليمي ببغداد ،
فلم يلبث طويلا حتى وافاه الأجل صباح يوم الثلاثاء في اليوم السابع من كانون الثاني
الشماس امـان تومـا بهنـام دلكتة