اعزائي المتصفحين سنقدم لكم قصة حريق بيادر كرمليس
منقولة من كتاب تاريخ كرمليس
لمؤلفه المهندس حبيب حنونا المحترم
حريق كرمليس
كان الربيع في كرمليس عام 1927 مزدهرآ يانعا , تسقط الامطار ذلك الشتاء بغزارة وتواصل , فأرتوت الارض واخضرت الحقول : تعلق الفلاحون بأرضهم الطيبة المعطاء التي من منحوها كل جهدهم
وتطلعت اعيونهم الى سنابل القمح وهي مثقلة بالحبوب فأنتعشت قلوبهم .. لقد حرثوا الارض خريفا , ونضروا الى السماء يسترحمونها الغيث المدرار , فما خيبت املهم : بل كانت سحبها العالية سخية معهم كل السخاء
سقت ارضهم حبا , وانتبهت بذرهم زرعآ فشمخت سيقان القمح تحمل خبز الحياة . وكان الفلاح واهله واولاده مع السنابل يوما بعد يوم .. هذه البقعة من الارض اصفرت وتلك يبست . لابد وان قوارض تعيث في الارض فهب وهله يذرعون الحقول جيئة وذهابا
يبحثون عن منافذ الجرذان والفأران ينفخونها بمنافخهم القديمة دخانا يخنقها في جهورها فينقذون الزرع من اتلافاها . ثم تبدأ سنابل القمح تصغر ايذائنا بالحصاد , فملا النشوة نفوس اهل القرية . وتدور ألافكار حلوة لذيذة في رؤوسهم .. سيحصدون غلتهم , وين قلونها من الحقل الى البيدر ويدقونها ثم يذرونها , وعندما تتراكم اكوام الحنطة والشعير على ارض البيدر وتختلط رائحة القمح والتبن برائحة التراب يكون الفلاح انا ذاك قد امنا على كده وجهده السنوي .
سيملأ مخازنهو بالغلة وسيبيع ما زاد عن حاجته , فيشتري بثمنها لوازم بيته .. سيبني غرفة اخرة لوده الكبير , وسيجد له عروسآ , ومن ثم يقيم له عرسآ قل ان صار مثله .. هكذا كانت الافكار تدور في روؤس كل الناس , فالعام عام خير والغلا كثيرة .. ومع بدا موسم الحر بدا الحصاد وكم كانت المعانة صعبة يومــذاك لكن الفلاح الطيب قهر كل الصعوبات بعزمه .
فانكب ع اقرانه يحصد الارض حصدآ بمنجله ثم ينقل الحصيد بحيواناته , وتكدست اكوام الحنطة والشعير في بيادر القرية , لكل عائلة بيده الخاص به تنقيه من الاتربة والحجارة والحصى وتكوم الهشيم كدسآ فوق كدس كل شكل حذاء الفرس , ليبقة باطن الحذاء فارغا يستعمل للدق , وبدات قلوب الناس تتضرع الى الرب أي يحفض هذا الهشيم المتوج بالسنابل من عاديات الزمن .
فاكثر ما كان يخشاه الفلاح ان تاتي النار على زرعه اليابس سواء في الحقل ام في البيدر , فتلتهمه وتتركه رمادآ , وامتلات البيادر كلها بالحصيد حتى لم يبقى من محل فيها , فقد كانت السنة متميزة عن باقي السنين بوافر الخير , وكان اهل القرية يحلمون احلاما فضية , يمتطون السحب , ويشمخون في العلى , ويضربون الاخماس في الاسداس عمة سيفعلونه بهذا الخير العميم , ستشبع مواشيهم وحيواناتهم وابقارهم علفا وشعيرا , وستملا زيرهم جبنا , ودنانهم دهنا ولاحما مملحا وتنتفخ جيوبهم دنانير.
كانت القرية تكاد تطير من الفرحة , وكان ذلك النهار عيد الرسولين بطرس و بولص , التاسع والعشرين من شهر حزيران , وكان يوم بطالة , فلا عمل في الاحاد والاعياد فهذا يزور ذاك , وعرائس القرية يقضين نهارهن في دور ذويهن فلا يعدنه الى مساكنهم الا مع المساء , والكل ذهب مهنئا اولئك الذين يحملون اسمي بطرس وبولص .
فهذا النهار عيدهم , والقرية امضت صباحا جميلا مليئا بالبهجا والمسرة ومادام النهار بطالة , فقد استمتع الجميع بقيلولة هادئة بعد الغداء وهجع الناس في دورهم هربآ من حر الضهيرة , ولم تعد تسمع الا اصوات بعض الصبية يلهون في هذا الممر الظليل او ذاك ويلعبون ببراءة الاطفال .. كانت الاقدار في سرها تخبى لهولاء الامنين شي كبيرا , عندما شقت سكون تلك الضهيرة من يوم 29 حزيران 1927 صرخات متعالية جائت من اطراف البيادر الشرقية تستغيث من النار التي ادت اول الامر على بضعت بيادر قريبا من دور القرية .. هب القوم من نومهم مذعورين مصدومين كل يحمل شيئا بيده .. هذا يتناول مسحاته , وذاك يفتش عن اغطية صوفيه سميكة ليضرب النار به علها تهدا .
والنساء يولولن ويحملن جرار الماء , وتوجه الكل الى مصدر النار , ارادوا ان يحاصروها بالتراب ولماء والاغطية الصوفية السميكة لكنهم كانوا اضعف منها , حاولوا ان يرفعوا الهشيم ويبعدونه عن السنة النار الى مكان اخر , لكن النيران كانت اسرع منهم , فلم تعد ترى غير الصغار يبكون والنساء يلطمن على الخدود , والشباب يرمون بانفسهم في قبل الاتوان علهم يستطيعون اخماد بعضها فما يكسبون غير حروق في اجسادهم تعالت النيران في كبد السماء واصبحت البيادر كلها جحيمآ يشوي الوجوه , وشاهدت القرة المجاورة السنة النار تتعالى من بيادر كرمليس فهبت نجدات منهم تغيث القرية المنكوبة .
لكنها هي الاخرة لم تستطع ان تفعل شي , القرية بعيدة عن مدينة الموصل مسيرة ساعات ولاسيارات فيها ولا هاتف كيف يا ترى تستطيع دفع المحنه , ظل الناس حتى العصر يركضون وراء النار يحاولون عبثا ان ينقذو شيئى من تلك الاكداس المتراكمة من حصيد الحنطة والشعير والعدس لكنهم كانوا يفعلون المسيتحيل فقد اتت النار على البيادر كلها وتحولت تلك السنابل الصفراء الى اكوام من الرماد والنار واصبحت البيادر قطعة سوداء تختلط فيها الاتربة والمياه والجرار المكسورة وبقايا الاغطية المشتعلة .. نعم عم الخراب وحلت المصيبة .
وستاتي الكارثة بعد ذلك , ستجوع القرية لبضعة اعوام , وماذا سياكل الناس ومن اين سياتي الفلاح ببذاره وقوته لقد خرجت القرية من ماتم كبير شيعت فيه امالها و امانيها , وبقت ايام مشدوهة لاتصدق ما جرى , او حقا انتهت تلك المسيرة الشاقة مع الارض من اوائل الخريف وحتى مطلع الصيف الى هذه النهاية الماساوية واصبحت الامال الحلوة قبضا من الريح ؟ من اين جائت النار في تلك الظهيرة .
ومن الذي سولت له نفسه ان يفعل تلك الفعله المشينة فيقتل الناس جوعا .. اسئلة ظلت تدور على السنة الناس لكنها لم تجد لها جوابا وهكذا داوت القرية جراحها وبدات الاغاثات العينية من حنطة وشعير تترى عليها من جيرانها ومن قرى اخرى بعيدة ابت الا ان تساهم في مد يد العون لها وجاء موسم الثاني , فبذر من كان له بعض الوفر من الغلة في مخازنه ومن استطاع شراء البذار بماله , اما الكثرة الكاثرة من صغار الفلاحين فقد ظلت ارضه تناديه دون ان يستطيع الاستجابة لندائها .
فقد كان ينتظر نهاية الموسم التالي ليستدين من اقربائه وجيرانه ما يعينه على مواصلة البذار فما استطاع تحصيله من غلة وهو قليل لايكاد يكفيه قوتا وغذاءا , وهكذا مضت الكارثة واصبحت تاريخا لابناء القرية يورخون من خلالها ولاداتهم واحداثهم وزيجهم , فهذا ولد قبل حريق البيادر بعام , وذاك توفي بعد الحريق بشهور وبات الناس بعد هذه الحادثة يسرعون في دق غلاتهم بعد نقلها الى البيادر مباشرة خوفا من تكرار الماساة , دون ان يتركوها هشيما متراكما طعمة سهلة للنيران .
وقد كان لهذه المارثة صدى كبير في الاوساط الشعبية والرسمية اذ جاء في مجلة لغة العرب لصاحبها الاب انستاس ماري الكرملي ما يلي حريق بيادر كرمليس . قرية من اقدم قرى الموصل واسمها القديم في التاريخ ([color=red]جوجامالا) ([color:6143=red:6143]Gaugamela) .
او جوجميلا وهي واقعة في شمال غربي اربيل ويعنون اهلها بالزراعة وقد وقعت النار في 29 حزيران في بيادرهم وافنتها عن اخرها ويقدر ثمنها على ما يعادل 500,000 (نصف مليون) ربية فاصبح اهلاها وبيوتهم اكثر من 150 افقر الناس في متصرفيه الحدباء كما جاء في نفس المجلة .
اسعاف منكوبي كرمليس : راف اصحاب الحل والعقد بمنكوبيكرمليس فانشئت لجنة باسم " اسعاف منكوبس كرمليس " واعضاؤها
1- 1- جعفر باشا العسكري رئيس الوزراء رئيسا لها
2- 2- رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية , نائبا للرئيس .
3- 3- امين عالي باش اعيان , وزير الاوقاف
4- 4-المستر سوان وكيل مستشار المالية.
5- 5- يس الخضيري.
6- 6-عبد الحسين حلبي.
7- 7- يوسف غنيمة معتمدا لها
8- 8-عزرا مناحيم دانيال.
وتولف لجان فرعية في بقية الالوية فعسى ان يسعف المنكوبون احسن اسعاف
كما جاء في الجزء الخامس من السنة الخامسة من نفس مجلة " تبرعات لاسعاف منكوبي كرمليس "
بلغ مجموع المبالغ المقبوضة الى 22 اب (6378) ربية و ( 5 ) انات لتوزع في الحال على منكوبي كرمليس وقد اعلنت اللجنة انها تمدد اعمالها حتى نهاية ايلول من هذه السنة كما جاء في الجزء السادس من نفس السنة مايلي :
لجنة التوزيع لمنكوبي الحريق في الموصل
اوفدت لجنة التوزيع الى منكوبي الحريق في الموصل الى قرية كرمليس اربعة من اعضائها وهم حضرات ناظم افندي العمري . ومحمود افندي النائب . ورؤوف افندي شماس اللوس نائب الموصل ومعتمد اللجنة برئاسة غبطة بطريرك الكلدان . لتوزيع التبرعات التي وصلت من بغداد لاسعاف اهالي كرمليس
وتوزيع قسم من تبرعات الموصل ولدى القيام بالتحقيقات الدقيقة وزعت اللجنة ما يقارب تسعة الاف ربية على المنكوبين فجائت الاعانات بنسبة انة واحدة الى ربية واحدة من الخسائر والاضرار التي حلت باولئك الفلاحين , وقامت اللجنة باعمال التوزيع يومي الخميس والجمعة 8و9 ايلول وبلغت الاكتتابات لمساعدة منكوبي كرمليس الى خمسة تشرين الاول من هذه السنة 1927 ما قدره 14,161 ربية و16 انــــات
النهاية